Skip to main content
الاثنين, 09 حزيران 2025

خلو العراق من المسيحيين.. كارثة السبت 26 آب 2017عدد المشاهدات 2228

إعلان

بغداد - Qabas News

خالد سليمان

"نخاف أن تتحول أديرتنا وكنائسنا العريقة إلى متاحف وأبنية وقصور تذكارية يزورها السياح". قال لي ناشط مسيحي من مدينة الموصل قبل إحتلالها من قبل تنظيم داعش صيف عام ٢٠١٤. لقد عبّر متكلميّ بهذه الجملة عن خوف لم يتحدث عنه الإعلام إلاّ بعد 2003، ألا وهو خلو العراق من المسيحيين بسبب إرهاب غير مسبوق يستهدف وجودهم في البلاد.
وقد تُجَسِّد صورة لمسيحي أخير في مدينة خانقين (١٦٠ كم) جنوب شرقي العاصمة بغداد، خوف الناشط الموصلي على مستقبل طائفته وخلو العراق الوشيك منها، ذاك انه الأخير يعيش مع عائلته في المدينة ويمارس العبادة داخل جدران بيته. سامي عبّو، يعيش بالقرب من كنيسة مهجورة في خانقين، بينما لايزال الصليب يعلو بناءها من بين أبينة قديمة. يقول عبّو: (هذه ليست كنيستنا الآن، لقد تحولت إلى مكان مهجور، ولم يعد بإمكان المسيحيين إقامة شعائرهم الدينية فيها). لقد تحدث عبّو بصيغة الجمع، ناسياً انه المسيحي الأخير هناك. 
جنوباً، في مدينة البصرة تحديداً، وهي ثالث كبرى المدن العراقية التي يقطنها المسيحيون، تقلص عدد الطوائف المسيحية المختلفة من الكلدان والسريان والأرمن حسب الممثل البطريركي في البصرة والعمارة والخليج العربي (الخوري اسقف-عماد يلدا اقليمس) من 1500 عائلة عام 2003 إلى 337 عائلة عام 2014. يذكر لي رجل دين مسيحي في جنوبي العراق أسباب كثيرة للهجرة، إنما الأهم من بين تلك الأسباب هي العنف واستهدافهم من قبل حركات إسلامية متطرّفة. 
لم ير مسيحيو العراق في تاريخهم الحديث مثل العنف الذي استهدفهم بعد 2003 حيث أحدث تغييراً سكانياً كبيراً بين المسيحيين لصالح الغالبية المسلمة. وثقت صحيفة (لوموند) الفرنسية بتاريخ 14 شباط 1963 حملات عنف أخرى ضد الأقلية المسيحية في العراق أثناء الإنقلاب العسكري الذي نفذه البعثيون عام ١٩٦٣ ضد حكومة عبدالكريم قاسم، إنما لم تؤد تلك الحملات إلى تغييرات سكانية ودينية داخل المجتمع العراقي. نشرت الصحيفة المذكورة في تلك الأيام تقريراً جاء فيه: ”ففي الأوساط الرسمية للنظام الجديد نسمعهم يقولون بشكل دائم: ”لدينا قوائم بأسماء جميع الشيوعيين ولن نترك أحداً منهم يفلت من يدنا“. والقلق كبير جداً في أوساط المسيحيين الكلدان الذين، كما يقال، اصطفوا مع الشيوعيين". 
وفي هذا السياق، تستشهد أوساط عراقية سياسية وثقافية بإعلان الجمهورية في العراق عام ١٩٥٨، الذي أدى من وجهة نظرها إلى تغيير واقع حال الأقليات في البلاد، وكان إصدار قانون الأحوال الشخصية المرقم (١٨٨) عام ١٩٥٩ مكسباً كبيراً للأقليات بحسب المختصين في العراق والمنطقة. ولكن لم يمض وقت طويل حتى عاد فيه العراق إلى خارطة العنف والإنقلابات العسكرية بدءاً بتاريخ ٨ شباط عام ١٩٦٣. وقد شمل رعب الحملات التطهيرية من قبل البعثيين الأقلية "الكلدانية" المسيحية قبل غيرهم من العراقيين، ذاك أنهم كانوا يصطفون مع الشيوعيين. هذا وقد خلا الدستور العراقي الأول عام ١٩٢٥ من أية إشارة للأقليات الدينية والعرقية في البلاد. 
في العراق، وفق الإحصاء السكاني العام سنة 1987 كان عدد المسيحيين مليوناً وأربعمائة ألف نسمة وازداد هذا العدد عام 2003 ووصل إلى مليون ونصف مليون، بينما قل العدد ذاته إلى أقل من٣٠٠ ألف شخص عام ٢٠١٦، وذلك بسبب أعمال عنف غير مسبوقة تنفذها جماعات إسلامية متطرّفة ضد كنائسهم وأماكن عباداتهم، ناهيك عن محلاتهم التجارية ونواديهم الثقافية والإجتماعية بعد عام ٢٠٠٣. وكان تنظيم ”القاعدة“ و وليد خاصرته ”داعش“ أكثر عدوانية تجاه الأقليات الدينية في العراق. وقد جسّد وضع حرف (ن) من قبل داعش على منازل وعقارات المسيحيين في الموصل ما بعد 10 حزيران 2014، الحلقة الأعنف من سلسلة أعمال قاسية ضد المسيحيين وإجبارهم على ترك البلاد أو البقاء تحت ”رحمة السيف“. 
إلى جانب ما ذكر من العنف والإرهاب ضد الأقلية المسيحية، هناك تحديات أخرى تتمثل بتشريعات إسلامية في الإرث والزواج والطلاق والنفقة وإلى ما شابه ذلك من الإجراءات تتعامل المحاكم بموجبها مع المسيحيين والأقليات الأخرى. قصارى القول ان القوانين السارية مجحفة بحق الأقليات إذ يعانون مما يلحقها من تبعات على نمط حياتهم وتقاليدهم وثقافتهم. ويشير ناشطون التقيتهم خلال عملي كصحفي ومدرب في مجالي الإعلام وبناء القدرات في الموصل كما في البصرة ومحفظات أخرى، الى ضرورة "إلغاء ولاية المسلم على غير المسلم في الزواج أو إلغاء ولاية غير المسلم على مسلمة، خاصة عند اعتناق زوجة غير مسلمة الإسلام، عندها تسقط ولاية غير المسلم على زوجته بسبب اعتناقها الإسلام وهي في عصمة زوجها غير المسلم شرعاً وقانوناً“.
إضافة إلى مشكلة الإرهاب والتطرف الديني، هناك خمسة تحديات رئيسية تواجه المسيحيين في العراق وهي :
١- مشكلات التعليم وإخضاع أبناء وبنات المسيحيين والأقليات الأخرى إلى نظام تعليمي لا يراعي خصوصياتهم الدينية والثقافية.
٢- حرية ترميم أمكنة العبادة أو تأسيس أمكنة جديدة.
٣- مشكلات العمل في أجواء تطغي عليها عنصرية دينية واجتماعية خفية.
٤- العدالة في المحاكم، وفي القوانين بطبيعة الحال.
٥-حق التجمع وتأسيس الجمعيات. 
تالياً، يحتاج المسيحيون والأقليات الدينية والعرقية والثقافية الأخرى في العراق إلى قانون مدني يحميهم من العنف والعنصرية المنظمة، ذاك ان التعايش السلمي دون قانون ينظم الحقوق والواجبات، ويحميهما بطبيعة الحال، ضرب من الخيال. أما التراخي عن حماية المواطنين الأصليين بدياناتهم وثقافاتهم وتقاليدهم، يعني خلو العراق النهائي من تاريخه وثقافاته المتنوعة، وسيكون ذلك بمثابة كارثة للبلد حيث تتحول كنائسه المتبقية إلى أمكنة مهجورة.

 

إعلان