Skip to main content
الاثنين, 29 نيسان 2024

كاتب بريطاني و6 تعريفات للثقافة الشعبية الخميس 24 آب 2017عدد المشاهدات 2066

إعلان

عبدالله مكسور

يمكن اعتبار كتاب “النظرية الثقافية والثقافة الشعبية” للباحث البريطاني جون ستوري، الصادر عن دار كلمة للنشر في العاصمة الإماراتية، أبوظبي، مرجعاً هاماً للباحثين المشتغلين على دراسة الثقافة الشعبية بالاعتماد والتأسيس على مجموعة من النظريات الثقافية المختلفة، فالكتاب الذي جاء بنسخته العربية بترجمة صالح خليل أبوأصبع وفاروق منصور، يتصل في طروحاته بدراسات الأدب ووسائل الإعلام والاتصال، وعلم الاجتماع واللسانيات وغيرها من العلوم التي تفتح باباً واسعاً لطرح نظريات جديدة حول هذا النوع من الأبحاث، فهو يقدِّم مدخلاً واضحاً ومتماسكاً رغم تشعُّباتِه الكثيرة، فنراه يطوف على الماركسية التقليدية، وما بعد الحداثة، ومدرسة فرانكفورت، ونظرية الهيمنة، إلى جانب مدارس التحليل الأدبي للنص كالمدارس النفسية والفرويدية والسينمائية والنفسية اللاكانية.                             

 

صعوبات المصطلح

يُقِرُّ المؤلف أنَّهُ لدراسة الثقافة الشعبية، لا بد من مواجهة الصعوبة التي يطرحها المصطلح نفسه، أي أنها تطرح مجالات استقصاء وأشكالاً للتعريف النظري والتركيز التحليلي مختلفة تماماً تبعاً لطريقة استعمالها، ليستبِق المؤلف هنا النتائج بتأكيده أنَّ القارئ ربما سيخرج من الكتاب بمقولةٍ تقوم على أن الثقافة الشعبية هي في النتيجة فئة مفاهيمية فارغة، فئةٌ يمكن ملؤها بطائفة متنوعة من الطرق المتناقضة غالباً، تبعاً لسياق الطرح والاستعمال، فيقدِّم بناء على تأسيس نظري لجملة من الطروحات ستة تعريفات للثقافة الشعبية، فهي الثقافة التي يرغب فيها، أو يحبها الكثير من الناس، وهي أيضاً الثقافة المتبقية بعد أن “قررنا” ما هو ثقافة رفيعة، وهي الثقافة الجماهيرية، التي تنبع من الشعب وتأخذ موقفاً معارضاً لأي نهجٍ يقول إنها شيء مفروض من فوق على الشعب، وهي الثقافة غير المفروضة من قِبل منظري الثقافة الجماهيرية، وفي التعريف الأخير قال المؤلف إنها ذلك الشيء الذي يسترشد بالتفكير المعاصر الدائر حول النقاش بشأن ما بعد الحداثة. فكتاب “النظرية الثقافية والثقافة الشعبية” كما يقول مؤلفه “كتابٌ يتعلق بالتنظير الذي أوصلنا إلى حالتنا الراهنة من التفكير في الثقافة الشعبية، ويتعلق باستكشاف الأرض المتغيرة للثقافة الشعبية ورسمها من قبل مختلف المنظرين الثقافيين والنُهج النظرية المختلفة”.

 

تقسيمات الأطروحة

قسَّم المؤلف كتاب “النظرية الثقافية والثقافة الشعبية” إلى عشرة فصول، سارَت في بناء مُحكَم وبحث منهجي متوازن لتقديم الفكرة في فطرتها، ولتفتح كما يشير في مقدمات الطبعات المختلفة التي تم تضمينها في الإصدار العربي، إلا أنَّه لا يحلل المشروع بل يفتح باباً للخوض فيه من خلال عناوين رئيسة ناقشَ من خلالها تعريف الثقافة الشعبية، والثقافة، والأيديولوجيا، والثقافة الشعبية باعتبارها الآخر. بينما راح الفصل الثاني لنقاش تقاليد الثقافة والحضارة بعناوين فرعية أساسية عند ماثيو أرنولد، والليفيزية، والثقافة الجماهيرية في أميركا، ومناقشات ما بعد الحرب، وثقافة الشعوب الأخرى.

أما النزعة الثقافية فكانت مبحث الكتاب في فصله الثالث، حيث يبحث جون ستوري في ما قدَّمه كل من رتشارد هوغارت، وريموند وليامز، وإي بي تومبسون، وستيوارت هول وبادي وانل. ليخلص رابعا بذلك إلى الماركسية ويضعها في الميزان، فعالج الماركسية الكلاسيكية، ومدرسة فرانكفورت، والنوسيرية، والهيمنة، وما بعد الماركسية والدراسات الثقافية، ليطرق في خامس فصول كتابه باب التحليل النفسي، حيث ناقش المؤلف مدرسة التحليل النفسي الفرويدي، والتحليل النفسي اللاكاني، والتحليل النفسي السينمائي، والخيال عند سلافوج زيزك ولاكان، وركَّز الفصل السادس على البنيوية وما بعد البنيوية، ناقشها من خلال فرديناند دو سوسير، وكلود ليفي ستراوس، وويل رايت، وأفلام الغرب الأميركي، ورولان بارت والميثيولوجيات، ومرحلة ما بعد البنيوية، وجاك دريدا، وثنائية الخطاب والقوة/ السلطة عند ميشال فوكو، والآلة البانوبتكية.

يركز سابع فصول الكتاب على الجنسانية والجنسوية، فيناقش الحركة النسوية، والنساء في السينما، ويقدم قراءة في قصص الغرام، ومشاهدة مسلسل دالاس، وقراءة المجلات النسائية، ودراسات الرجال والذكوريات، ونظرية الشاذ، وفي الفصل الثامن كان العنوان العريض هو العنصرية والتمثيل، حيث ناقش المؤلف فكرة العرق والعنصرية، وأيديولوجيا العنصرية من خلال ظهورها التاريخي، والاستشراق، ومناهضة العنصرية والدراسات الثقافية.

 

ما بعد الحداثة كانت محوراً للفصل التاسع، حيث يتناول جون ستوري العديد من القضايا اللافتة مما يعنى بحالة ما بعد الحداثة، وما بعد الحداثة في ستينات القرن العشرين، متطرقا إلى أفكار كل من جان-فرنسوا ليوتار وجان بودريار وفريدريك جمسون، وكاشفا خفايا موسيقى البوب ما بعد الحداثية، والتلفزيون ما بعد الحداثي، ليقدم رؤيته حول ما بعد الحداثة وتعدد القيمة، وما بعد الحداثة العالمية، وثقافة التلقي، بينما خصص الفصل الأخير لسياسة الشعبي حيث ناقش أزمة نموذج في الدراسات الثقافية، والمجال الثقافي، والمجال الاقتصادي، والدراسات الثقافية ما بعد الماركسية وإعادة النظر في الهيمنة، وأيديولوجيا الثقافة الجماهيرية.

 

الخطوة الأولى

اشتغل جون ستوري على جملة من التصورات الأساسية التي تضعنا أمام محاور عديدة تستحق البحث والتفصيل نظراً إلى الحاجة الماسة والنقص الذي تعانيه المكتبة العربية من هكذا نوع من البحوث، وفي عرضِه لهذه التصورات بدا واضحاً أن المؤلف التزم الحيادية بالطرح في تجنُّبٍ واضح لأي موقف أيديولوجي مسبق تجاه مناهج دراسة الثقافة الشعبية، يحاول المؤلف أن يضع القارئ على أول الطريق لتقبُّل فكرة ضرورة تعلُّم الحياة ضمن الصيغ المختلفة لكل ما يحيط بنا، ولكن حتى الوصول إلى فكرة التأقلم الكامل مع تلك الصيغ على الإنسان أن يعيش كل التناقضات التي توصله إلى حالة الرضى، رغم سيطرة المادية الرأسمالية ذات الهويات المتنوعة.

في نقاش عام منذ أيام، حول هذا الكتاب، وجدتُ صعوبة بالغة في شرح بعض المفردات بالعربية، وحين عدتُ إلى ما كتبه المترجمان العاملان أساساً في جامعة فيلاديلفيا كأستاذَين جامِعيّين، وقفت أمام اشتغالهما حول صعوبة ايجاد مرادف عربي للمصطلحات التي طرحها ستوري، هذا بالطبع يعود إلى فقر المكتبة العربية، وعدم الحرص على نقل التطور الهائل الذي حدَث على مستوى النظريات الأدبية والثقافية في الطرح والمضمون حول العالم، وما قامت به دار نشر كلمة إنما هو خطوة في الاتجاه الصحيح لإغناء العقلية النقدية الأدبية العربية بدراسات وأبحاث جديدة، تتضمن النقلة النوعية والتطور النقدي للأطروحات الحديثة من مختلف ثقافات العالم.

إعلان